قضاء القرب
شهدت سنة 2011 نشاطا تشريعيا معمقا تتوج في التاسع والعشرين من شهر يوليوز منها بحدث وطني حمل معه فيضا من المتغيرات التي ستدشن لمرحلة جديدة في مسار الإنجازات التي أنتجتها على امتداد الفترة ما بعد 23 يوليوز 1999 إلى يومنا هذا الذي يسمو بحمولته كما وكيفا. حيث عرف موجة متلاحقة من المتغيرات التي غزت قطاع العدل الذي جعله الملك محمد السادس في صلب انشغالاته بحيث رصد له مخططا يجسد العمق الإستراتيجي لإصلاحه وبعد الخطاب الذي ألقاه جلالته في 9 مارس 2011 ثم إعطاء الضوء الأخضر لإصلاح دستوري جوهري. ليدخل المغرب عهدا جديدا أسفر عن ميلاد الدستور الحالي.
كما أسهم المشرع المغربي في الرقي بقطاع العدل بتحديثه للمنظومة التشريعية والقضائية وذلك من خلال إصدار حزمة من القوانين المغيرة والمتممة لكل من ظهير التنظيم القضائي لـ 15 يوليوز 1974 وقانون المسطرة الجنائية والمسطرة المدنية. كما ثم إحداث أقسام قضاء القرب بموجب القانون رقم 10.42 إلى جانب توسيع مجال اختصاص القضاء الفردي وإحداث أقسام للجرائم المالية بمحاكم الاستئناف وغيرها من النقط التي حملتها رياح التجديد والعصرنة ببلادنا المنشورة في الجريدة الرسمية عدد 5975.
وسنقتصر في هذا الإطار على تسليط الضوء على التجربة الفتية لأقسام قضاء القرب وهل ساهمت فعلا في تقريب القضاء من المواطنين وهل هي كما يقولون تجربة جديدة أم هي نسخ لما كان متجاوزا؟
سنتناول هذه الإشكالات في مبحثين معتمدين منهجا تحيليا كلما سمحت مادة البحث.
وسنقتصر في هذا الإطار على تسليط الضوء على التجربة الفتية لأقسام قضاء القرب وهل ساهمت فعلا في تقريب القضاء من المواطنين وهل هي كما يقولون تجربة جديدة أم هي نسخ لما كان متجاوزا؟
سنتناول هذه الإشكالات في مبحثين معتمدين منهجا تحيليا كلما سمحت مادة البحث.
المبحث الأول: الإطار العام لقضاء القرب والى أي مدى أسهم في تقريب القضاء من المواطنين. المحبث الثاني: أراء وتصورات وانتقادات لقضاء القرب.
المبحث الأول: الإطار العام لقضاء القرب
في إطار الإصلاحات المتواصلة في قطاع العدل بالمغرب وتعدد مشاريع القوانين أمام مجلس الحكومة أهمها ذات صلة بتعديل التنظيم القضائي للمملكة الذي يهدف إلى تقريب القضاء من المواطنين وتسريع إجراءات البث في القضايا وتبليغ الأحكام وتنفيذها. ولقد عرفت الفترة الأخيرة إصدار مجموعة من القوانين التي تسير في هذا الاتجاه منها قانون رقم 10.35 المغير والمتمم لقانون المسطرة المدنية وقانون رقم 10.36 المغير والمتمم لقانون المسطرة الجنائية. وقانون 42.10 المتعلق بتنظيم قضاء القرب وتحديد اختصاصه وهذا هو مايهمنا في هذا المآل. فكيف نظم المشرع المغربي قضاء القرب (الفقرة الأولى) وهل أفرد له مسطرة خاصة (الفقرة الثانية) وماهية الاختصاصات التي أسندها له المشرع (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى تنظيم قضاء القرب:
يشتمل قضاء القرب على أقسام بكل من المحاكم الإبتدائية ومراكز القضاة المقيمين.[1] وتتألف الأقسام المذكورة من قاض أو أكثر وأعوان لكتابة الضبط أو الكتابة.[2] ومن هنا يمكن القول بأن المشرع أنشأ قضاء القرب ليعوض به محاكم الجماعات والمقاطعات لكنه لم يضفي عليه صفة المحكمة بل مجرد أقسام بالمحاكم الإبتدائية ومراكز القضاة المقيمين.[3] كما يمكن لهذا النوع من القضاء عقد جلسات تنقلية بإحدى الجماعات الواقعة بدائرة النفود الترابي لقسم قضاء القرب للبث في القضايا التي تدخل في اختصاصاته.[4]
الفقرة الثانية: المسطرة لدى قضاء القرب:
يخضع العمل بقضاء القرب لأربعة قواعد أساسية، تتمثل في القضاء الفردي والشفوية والعلنية والمجانية إضافة إلى إجبارية إجراء محاولة الصلح.
أولا القضاء الفردي:
خص المشرع المغربي قضاء القرب بخاصية الفردانية،[5]وهذا راجع إلى طبيعة القضايا التي يبحث فيها هذا النوع من القضاء، فهي بسيطة لا تتطلب العمل الجماعي من مداولة وتدارس بصفة جماعية لها.
ثانيا: الشفوية والعلنية:
تنظر أقسام قضاء القرب في قضايا بسيطة لا تتطلب إجراءات قضائية معقدة من أجل البث فيها كما أن قيمتها زهيدة، لذا خصها المشرع بالشفوية في المسطرة، بحيث يعفى الأطراف تقديم دفوعاتهم بواسطة مقالات أو مذكرات مكتوبة بل يكفي أن يتم ذلك بصفة شفاهية وهذه الشفوية تتخد مظهرين: عند رفع الدعوى بحيث يقدم المقال كتابة أو بصفة شفاهية، فيتولى كاتب الضبط تلقي تصريحات المدعي وبعمل على تدوينها في محضر يتضمن الموضوع والأسباب المثارة نمودج معد لهذه الغاية ويوقعه مع المدعي.[6]تطبيق المرحلة الشفاهية خلال مراحل الدعوى.[7]بالإضافة إلى مبدأ الشفوية خص المشرع هذه المحاكم بمبدأ العلنية في الجلسات وهذا راجع كذلك إلى نوعية القضايا التي تنظر فيها فهي القضايا الشخصية والمنقولة وقضايا جنائية بسيطة لاترقى إلى مبدأ السرية، على خلاف المحاكم الأخرى التي يمكن لها أن تعقد جلسلتها بشكل سري متى تعلقت بالنظام العام وقضايا الأسرة.
ثالثا: المجانية:
تتميز هذه المحاكم بالإعفاء من جميع الرسوم القضايا وبصفة قانونية دون ضرورة تقديم طلب لذلك، والهدف هو فسخ المجال لحماية الحقوق التي تعرضت للضرر حتى ولو كانت قيمتها بسيطة.[8] تشمل هذه المجانية مرحلة التقاضي أمام قضاء القرب، وأيضا أمام المحكمة الإبتدائية في حالة تقديم طلب إلغاء الحكم أمام رئيس المحكمة الإبتدائية.
رابعا: الصلح بين طرفي الدعوى:
ألزم المشرع في المادة 12 من قانون قضاء القرب القاضي بإجراء تصلح بين أطراف الدعوى قبل مناقشتها فإن تم الصلح بينهما حرر محضرا بذلك وإن تعدر الصلح بث في موضوع الدعوى حسب الفصل 13 داخل أجل 30 يوما بحكم غير قابل لأي طعن.
الفقرة الثالثة: اختصاص قضاء القرب:
من خلال المادة 5 من قانون 42.10 يمكن القول بأن قضاء القرب ينظر في قضايا مدنية وأخرى جنائية فما هو اختصاص كل منهما:
أولا: اختصاص قضاء القرب في القضايا المدنية:
الاختصاص النوعي لقضاء القرب:يختص قاضي القرب نوعيا في بالنظر في الدعاوى الشخصية[9] وهي التي يكون الغاية من وراءها الحصول على منقول والتي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف درهم. وللإشارة فإن الدعوى المتعلقة بالأسرة والعقار والقضايا الاجتماعية والإفراغات تخرج عن اختصاصه.
الاختصاص القيمي لقضاء القرب:
ينظر في الدعاوى المحددة له بموجب القانون لرقم 42.10 متى كانت قيمتها لا تتجاوز خمسة آلاف درهم. وللإشارة فإنه إذا تم تقيم المستحقات من طرف المدعي للاستفادة مما يخوله له القانون فإن المحكمة تقضي بالمطالب المذكورة لا غير
. الاختصاص الترابي لقضاء القرب:كما هو مذكور في السابق الاختصاص الترابي لقضاء القرب يتوزع على حيزين فأما الأول يتجسد في أقسام داخل المحاكم الابتدائية والثاني في مراكز القضاة المقيمين.
. الاختصاص الترابي لقضاء القرب:كما هو مذكور في السابق الاختصاص الترابي لقضاء القرب يتوزع على حيزين فأما الأول يتجسد في أقسام داخل المحاكم الابتدائية والثاني في مراكز القضاة المقيمين.
ثانيا: اختصاص قضاء القرب في القضايا الجنائية:
الاختصاص النوعي:البث في المخالفات التي يرتكبها الراشدون فقط المنصوص عليها وعلى عقوبتها في المواد من 15 إلى 18 من قانون 42.10.
الاختصاص المحلي:الاختصاص المحلي لا ينعقد إلا إذا ارتكبت تلك المخالفات داخل الدائرة التي يشملها اختصاصه الترابي أو التي يقيم بها المقترف.[10] من خلال ما تطرقنا إليه في المبحث الأول يمكن القول بأن قضاء القرب جاء من أجل تقريب القضاء من المواطنين وتحقيق قضاء القرب،[11]وهذا واضح من خلال تكوينها وتبسيط إجراءاتها. فإذا كانت المحاكم على خلاف درجاتها لا تقبل الدعوى إلا إذا كانت كتابية فإن قضاء القرب عرج هن هذا ليسهل الأمر على المتقاضين ليشكل بهذا استثناءا عن قاعدة الكتابة في الدفع، أضف إلى ذلك أنه ثم تحقيق مبدأ مجانية القضاء وتقريبه من المواطنين والذي يتمثل في عقد جلسات تنقلية عبر مختلف ربوع المملكة لإيصال القضاء وإسماع كلمة الحق في المناطق النائية والقروية. لكن هل هذا كافا ليشفي غليل انتقادات البعض لهذا النوع من القضاء إن صح التعبير فرغم كل ما قيل وما سيقال عن مميزات هذه التجربة الفتية ببلادنا إلا أن هناك من لا يستسيغ هذا المصطلح –تجربة فتية- بل أكثر من ذلك فهناك من عارض وبشدة هذه التجربة كما يقولون اعتبارا منهم بأنها إعادة إحياء ما ثم قبره وهذا ما سنقوم بمناقشته في مبحثنا الثاني.
المحبث الثاني: أراء وتصورات وانتقادات لقضاء القرب.[12]
سنقتصر في هذا الإطار على جرد أهم الإشكالات التي تطرحتها التجربة الفتيّة لأقسام قضاء القرب، والتي أبانت عن قصورها وأصبحت ملامح فشلها تُلوّح في أفقها، وذلك بعد مرور أزيد من سنتين من دخول هذا القانون حيز التنفيذ. وهذه جملة من الملاحظات الواقعية والقانونية التي ترصد بعض علل هذه التجربة، اقتصرت منها على المهم، ثم اكتفيت بالأهم، ويمكن تقسيمها إلى قسمين فأما الأول يهتم بالشكل(فقرة أولى) أما الثاني فيصب في الموضوع(فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: على مستوى الشكل.
إن القانون رقم 42.10، ليس إبداعا مغربيا، بل هو تقليد لبعض القوانين البائدة، مثل قضاء المحاكم الجزئية بليبيا وقضاء الجوار بالعراق، أو هو بالأحرى استنساخ للتجربة الفرنسية ( القانون الصادر بتاريخ 09 سبتمبر 2002 المعدل بالقانون التنظيمي الصادر بتاريخ 26 فبراير 2003)، إلا أن الأدهى في الأمرّ أن قضاء القرب أبان عن فشله في فرنسا، وهو ما جعل المشرع الفرنسي يصدر قانون بإلغائه ( قانون 13 دجنبر 2011) مع جعل الاختصاصات التي كانت موكولة إليه من اختصاص المحاكم العادية، وذلك بحلول تاريخ 01/01/2013 مع إمكانية تصفية القضايا المسجلة قبل هذا التاريخ في أفق 01/07/2013.
الفقرة الثانية: على مستوى الشكل
إن توسل المشرع المسطري بمبدأ المجانية في إطار القانون رقم 42.10 المحدث لأقسام قضاء القرب، وذلك في جميع القضايا التي لا تتجاوز قيمتها 5000 درهم، يُعدّ درباً من دروب تمييع المنظومة القضائية المغربية، بحيث ستشكل ردهات المحاكم مجالا خصباً لابتزاز المتقاضين ومنفذا لمن لا منفذ له، وذلك عبر استعمال القضاء كوسيلة تهديدية من أجل قضاء مآرب غير مشروعة، نظرا لطابع اليسر والبساطة حد الميوعة التي تتسم به المسطرة أمام أقسام قضاء القرب.
إذا كانت نية المشرع هي تقريب القضاء من المواطن وجعل القضاء في خدمة المواطن عبر إقرار مبدأ المجانية، فإنه من جهة أخرى قد جعل ميزانية الدولة تتخلى عن مداخيل مهمة هي في حاجة ماسة إليها خصوصا في ظل الأزمة المالية التي تعرفها أغلب دول العالم ومن بينها المغرب، ذلك أنه تستفيد من المجانية الأبناك و كبريات الشركات الخاصة العاملة في مجال الاتصالات و التأمين و القروض الصغرى الخاضعة لمدونة التجارة ، فالمحاكم تسجل آلاف القضايا تقل قيمتها عن 5000 درهم تتقدم بها هذه المؤسسات الخاصة الكبرى و التي تعفى من الرسوم القضائية، وكان حريا بالمشرع أن يجعل مبدأ المجانية لا يتمتع به سوى الأشخاص الطبيعية، ويستثني منه الأشخاص الاعتبارية و يمكن أن نضيف كذلك الجمعيات و المؤسسات ذات النفع العام .
كما أن الآجال التي ضربها المشرع في سبيل تسريع وثيرة البث في القضايا المعروضة على أقسام قضاء القرب تظل ” آجال فنطزية” طالما أنها غير مقرونة بإجراءات تأديبية إذا ما تمّ تجاوزها وعدم احترامها، كما أن قصر هذه الآجال يصطدم مع نقص الامكانيات المادية واللوجيستيكية الضرورية واللازمة لتفعيل وتنزيل هذا القانون على أرض الواقع.
وأخيرا وليس آخرا، فإن القانون المتعلقة بقضاء القرب تطبعه سمة الارتباك والتخبط، أريد له أن يولد ولادة قيصرية، بحيث ما زال يعيش على وقع الجُرعات التشريعية ( مشاريع القوانين) المتمّمة له، والتي تتقدم بها وزارة العدل والحريات كان آخرها مشروع القانون المغيّر والمتمّم للمادة السادسة، والذي يعيد النظر في مجانية قضاء القرب بالنسبة للأشخاص المعنويين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق